المستشفى العسكري بتعز.. نجاحات استثنائية رغم شحة الإمكانات

سبتمبر نت: تقرير/ عارف المقطري
المستشفى العسكري في تعز قصة نجاح استثنائية، وصرح طبي كان قبل سنوات قليلة أطلالاً وركاماً نتيجة همجية استهداف مليشيا الحوثي الارهابية له ليعود اليوم واحداً من أكثر المستشفيات الحكومية تنظيماً وتطوراً وتطويرا في تقديم الخدمة لمنتسبي القوات المسلحة والمدنيين الذين يقصدونه بشكل يومي وكثيف رغم محدودية ميزانيته، التي لا توازي أو تساوي حتى ربع الاحتياج وفقا لمديرها.
حين استهدفت مليشيا الحوثي الإرهابية مبنى المستشفى العسكري في تعز خلال سنوات المواجهات تحول المكان إلى مشهد مؤلم من الخراب والدمار، غير أن الإدارة الحالية ومنذ توليها مهمة قيادة المستشفى أعادت كتابة القصة من جديد، فقد انطلقت من لا شيء تقريباً، واعتمدت على التمويل الذاتي والإدارة الذكية للموارد حتى تمكنت من ترميم المبنى وإعادة تشغيل الأقسام وتجهيزها بأجهزة طبية حديثة وفحوصات دقيقة لم تكن متوفرة حتى في بعض المراكز الخاصة.
دعم ضئيل
يقول مدير عام المستشفى العسكري الدكتور العميد ركن محمد نعمان الثوابي لــ”سبتمبر نت”: “المستشفى لم تحصل على دعم يذكر من الموازنة العامة إلا اليسير، والذي لا يتجاوز 25 مليون ريال يمني، وهذا المبلغ لا يغطي جزءا يسيرا من النفقات التشغيلية، ودفع مكافآت بسيطة للأطباء وبقية كوادر المستشفى خاصة في ظل تأخر رواتب منتسبي الجيش في تعز ومنهم العاملون في المستشفى”.

وقال العميد ركن الدكتور الثوابي: “رغم هذه الشحة تعاملنا بعقلية المشاريع الصغيرة وباعتماد الترشيد والتخطيط والاستثمار في الإنسان قبل الآلة والتعامل وفقا للمتاح، تحققت النتائج والنجاحات التي ترونها ويلمسها كل من يطلب الخدمة من هذه المستشفى”.
نجاح إداري
يجمع العاملون في المستشفى والمواطنون على حد سواء على أن سر نجاح أي مؤسسة يكمن في القيادة الإدارية التي تتبنى منهج الشفافية والمساءلة، وتخلق روح الفريق الواحد بين الكادر الطبي والفني والإداري، وهو ما تحقق لهذه المستشفى.
يقول المواطن نجيب طه: إنه في وقت تئن فيه كثير من المرافق الحكومية من سوء الإدارة والفساد، استطاع هذا الصرح الطبي أن يثبت أن النجاح لا يكمن فقط بالأموال الكبيرة- رغم أهميتها- بل بكفاءة الإدارة واستقامة التوجه الذي يستهدف خدمة الانسان وبنائه، ولذلك نجد المستشفى العسكري في تعز والتي نتشرف بالعمل فيها أن لجأت إدارتها إلى بذل جهود ذاتية من قبل الإدارة مستفيدة من ميزانيتها الضئيلة والمشاركة المجتمعية واستثمارها في تجهيز وتطوير المستشفى كبناء الأقسام الجديدة وتجهيزها وشراء أجهزة فحص وتشخيص حديثة وتأهيل غرف العمليات والعناية المركزة.
نهضة وصمود
ووفقا للعميد الثوابي يستعد المستشفى العسكري في تعز الشهر القادم للاحتفال بمرور عام على إعادة تأهيله وبنائه بالكامل بعد أن كان مهدماً بالكامل بفعل استهداف مليشيا الحوثي لها.. الاحتفال لن يكون مجرد مناسبة شكلية كما يقول، بل رمزاً لصمود المؤسسات الوطنية في مواجهة واقع قاسٍ من الإهمال والعجز المالي الذي تعاني منهما مؤسسات الدولة.
تجربة المستشفى العسكري في تعز لا تخص القطاع الصحي فحسب، بل تقدّم درساً إدارياً نادراً في إدارة الأزمات، وتحويل النقص إلى دافع للإبداع.
ففي بلد يعيش واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم يبرز هذا المستشفى كنموذج لابأس به؛ لما يمكن أن تفعله الكفاءة عندما تتقدم على المحسوبيات وحين تدار الموارد بعقل الدولة لا بمنطق التسيير الروتيني والمصالح الضيقة.
اليوم يتردد صدى نجاحات المستشفى العسكري في أوساط المدينة، حيث تجد أروقتها تمتلئ بالمرضى والزوار من منتسبي القوات المسلحة وأطفالهم وأسرهم لتلقي الخدمة المجانية، وكذلك من المدنيين الذين يقصدونها طلبا للخدمة المتميزة مقابل رسوم رمزية..
حول ذلك يقول المواطن خليل احمد أن كثيرا من المستشفيات الحكومية في تعز تعاني شح الإمكانيات، ومنها المستشفى العسكري التي تستقبل المئات من المرضى يوميا، وتقدم لهم كامل الخدمات بدءا من الكشف مرورا بالفحوصات والكشف بأرقى الأجهزة وصولا إلى صرف ما هو متواجد من أدوية وسلاسة ونظام رائع، وفي حين تتعامل المستشفيات الخاصة في هذه المدينة المكتظة بالسكان بمادية مفرطة فلا ترى في عينها غير المال حتى تلك التي كانت تسمى (تعاونية) أصبحت خدماتها اليوم قاصمة للظهر، ويخرج منها المواطن محملا بهموم مضافة من الحاجة والعجز والدين.

وأضاف خليل: “لقد أثبتت المستشفى العسكري في تعز مجدداً أن الإرادة المؤسسية يمكن أن تهزم العجز المالي، وأن التنمية تبدأ من الإدارة قبل أن تبدأ من التمويل، وأن الانتماء للوطن وتفعيل الضمير الإنساني هو بدايات النجاح خاصة في هذا الجانب الإنساني المهم.
المستشفى العسكري بتعز ليس مجرد مرفق طبي أعيد تشغيله، بل قصة وطنية تلخّص جوهر البناء بعد الحرب العمل بصمت، والإنجاز بلا ضجيج.
رمزا للمواطنة
كما أن المستشفى الحكومي ليس مجرد مبنى طبي، بل رمزا للمواطنة المتساوية، فعندما يدخل المواطن العادي والمسؤول الكبير إلى نفس المرفق الطبي بنفس الخدمات والمعاملة، تتجلى فكرة العدالة الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة، كما أن دعم الدولة لهذه المستشفيات هو استثمار في بقاء الدولة.. وعليه يجب الالتفات الجاد للمستشفى العسكري ودعمها بميزانية مناسبة تواكب ما تقدمه من خدمات لأبناء المؤسستين العسكرية والأمنية وأسرهم وللمواطنين.