اقتصاديون لـ سبتمبر نت”: 26 سبتمبر و 14 أكتوبر حررتا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اليمني‭ ‬من‭ ‬احتكار‭ ‬الكهنوت‭ ‬والاستعمار

img

 

سبتمبر نت/ محمد الحريبي

الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر هي نقطة التحول الفارقة في التاريخ اليمني المعاصر، في مختلف مناحي الحياة خاصة في الجانب الاقتصادي، إذ صنعت الثورة تغييرًا جذريًا في الاقتصاد الوطني، بل إنها مثلت بداية التأسيس الحقيقي للاقتصاد في اليمن، خاصة بعد عهد الائمة البائد الذي عاش فيه اليمنيين مجاعات وفقر مدقع وانعدمت فيه أسس الاقتصاد الوطني واحتكار الاستعمار المقدرات الوطنية لصالحه.

 

مؤخرًا يحاول تنظيم الحوثي الإرهابي فرض سياسة الإمامة مجددًا على اليمن، ويواصل منذ انقلابه على الدولة إرساء وترسيخ مبادئ الحكم الإمامي البائد، متبع قاعدته الأساسية التي قضت عليها ثورة سبتمبر المجيدة، والمتمثلة في تجويع اليمنيين واحتكار الموارد لطائفتهم التي يدعون زيفًا أن لها حقا إلاهيا بالحكم واستعباد اليمنيين.

 

“قبل قيام الثورة اليمنية لم تكن هناك دولة بمقومات اقتصادية واجتماعية كما هو الحال حاليًا”- كما يقول الدكتور محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، موضحًا: “كان شمال الوطن تحت سيطرة الأسرة الأمامية التي كانت تتحكم بكافة شئون الحياة وبطريقة كهنوتية استبدادية متخلفة عزلت شمال اليمن عن العالم الخارجي، ولذا فلم يكن هناك مؤسسات للدولة ولم يكن هناك اقتصاد بالمفهوم الحقيقي”.

وبحسب الدكتور قحطان، كانت الزراعة هي النشاط الاقتصادي الوحيد السائد في البلاد والأنشطة الأخرى المرتبطة بهذا النشاط كتربية الحيوانات وتربية النحل بالإضافة إلى أنشطة ريفية أخرى مرتبطة بحياة الناس كتربية الدواجن وممارسة بعض الأنشطة الحرفية التي كان يتم تبادلها في الأسواق المحلية، وهذه الأنشطة كانت تؤمن للناس حياة بدائية بسيطة.

ويؤكد قحطان: “كان النظام الملكي الذي تتحكم به الأسرة الأمامية يقاسم الناس عوائد أنشطتهم الزراعية والحرفية بصورة جبايات لصالح الأسرة المالكة، ولم يكن هناك دولة وطنية أو اقتصاد وطني”.

ويضيف: “الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 اكتوبر حررتا اليمن من نظامين أحدهما ملكي كهنوتي مستبد وآخر استعماري بأجندات محددة تخدم مصالحه المتمثلة بالتحكم بالممرات التجارية الدولية فقط”.

 

سياسة التجويع والإفقار

من جانبه يقول الصحفي الاقتصادي وفيق صالح: “على مدى الأزمنة الغابرة التي حكمت فيها الإمامة مناطق متفرقة من بلادنا، انتهجت سياسة التجويع والإفقار والتجهيل، من أجل تطويع إرادة الشعب اليمني والبقاء فترات أطول في الحكم والسلطة”.

ويضيف: “تدرك الإمامة أنه لا يوجد مشروع حياة وتنمية واستقرار في الحكم، لذلك تلجأ لسياسات تركيع الشعب عبر التجويع والإفقار، على الرغم من وجود الموارد والامكانيات آلتي يمكن أن تلبي الاحتياجات الأساسية للعيش”.

ويؤكد وفيق: “لذلك فإن الإمامة تشكل خطراً داهما على حياة الشعوب وعلى مستقبل الأجيال، لا حرية ولا كرامة ولا تحرر للإنسان في ظل حكم الإمامة الكهنوتي المتخلف، وهذا ما أدركته ثورة السادس والعشرون من سبتمبر التي قضت على الحكم الإمامي المتخلف واعادت للشعب اليمني الحق في الحياة والتحرر من كافة مخلفات الحكم الإمامي البائد”.

ثورة الاقتصاد

ويشرح أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز: “بعد الثورة وعقب الإطاحة بالحكم الملكي الإمامي الكهنوتي المستبد بنيت الدولة الوطنية، وقامت الدولة الحديثة بسلطات متعددة تنفيذية وتشريعية وقضائية وبدأت ببناء اقتصادها الوطني في شمال اليمن وفي نفس الوقت دعم ثوار جنوب اليمن لطرد الاستعمار البريطاني وبناء دولة وطنية أخرى في جنوب اليمن، والتي شرعت هي أيضا ببناء الدولة الحديثة واقتصادها الوطني”.

ويؤكد قحطان: “لم يكن هناك قبل الثورة نظام اقتصادي لليمن وتأسس نظامها الاقتصادي منذ ما بعد الثورة وتحديدًا من بداية سبعينيات القرن الماضي عندما بدأ العمل بأسلوب التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأصبح لليمن اقتصاد كامل الأركان ونشاط استثماري وتنمية قطاعية وعملة وطنية يتطور مع الوقت”.

تملك وجباية

ويتفق معه الخبير الاقتصادي مصطفى نصر الذي قال: “لا يمكن مقارنة ما بعد ثورة 26 سبتمبر بما قبلها، لأن ما قبلها لم يكن هناك اقتصاد بالمعنى الحقيقي، وإنما هناك حالة تملك وجباية الشعب اليمني ونهب ممتلكاته لصالح فئة معينة أثبتت الوقائع أنه لا علاقة لها باليمن وشعبه، فمارست سياسات التجويع والإفقار ضده، ولم تسمح بممارسة أي نشاط اقتصادي حقيقي غير ما تجبيه وما تنهبه من جبايات”.

ويضيف: “كان الشعب اليمني مجرد عمال سخرة لدى نظام الحكم حينها والذي لا يسمح بأي نشاط اقتصادي حقيقي وهذا يعكس إن كثيرا من رؤوس الأموال الوطنية اليمنية لم تكن موجودة في تلك الفترة، واقتصار النشاط الاقتصادي على الزراعة والأنشطة المرتبطة بإبقاء الناس أحياء لخدمة ولمصلحة الكهنة فقط، ولكن لا يمكن القول أنه كان هناك نشاط اقتصادي حينها”.

ثورة اقتصادية

عن ما حققته ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة من نهوض اقتصادي يقول نصر: “شكلت ثورة 26 سبتمبر حدث فارق في التاريخ اليمني على كل الأصعدة بما فيها المجال التنموي، ليس فقط بالقضاء على الحكم الكهنوتي حينها وإنما أيضا بما حملته من نظرة انفتاحية متقدمة في الجانب الاقتصادي”.

ويؤكد: “كان هناك رؤية متقدمة في الحقيقة لإدارة الشأن الاقتصادي ربما ما بعد الثورة خلال العقود الأولى من الثورة كانت هناك أسس الاقتصاد الوطني الحر أكثر تقدما حتى من السنوات الأخيرة”.

ويوضح نصر: “سنجد أن الثورة حملت مشروع تنموي كبير تمثل في تأسيس بنية الاقتصاد الوطني، البنك المركزي، المؤسسات الاقتصادية ذات الاكتتاب العام، البنك اليمني للإنشاء والتعمير وشركات مساهمة كثيرة انشأت في تلك الفترة، كل هذا كان يعكس نظرة متقدمة لدى من أداروا تلك الفترة وكان هناك عقول اقتصادية ولو استمر ذلك الزخم لكان وضع اليمن في وضع متقدم كثيرًا”.

الإمامة الجديدة القديمة

من جانبه يعود الدكتور محمد قحطان ليؤكد أن “عدم الاستقرار السياسي يعيق تطور الاقتصاد الوطني ويتسبب في ضعف نموه بالصورة المطلوبة”، مشيرًا بذلك إلى انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية وأثره على الاقتصاد الوطني.

وأضاف: الإمامة الجديدة التي يمثلها الحوثيين ماهي إلا نسخة متطورة من الإمامة القديمة التي “حافظت على بقائها بإفقار المواطنين وتجويعهم بهدف أن يظلوا تحت امرتهم يركضون وراء ما يسد رمقهم ويبقيهم على قيد الحياة ولا يكون لهم الوقت الكافي للتفكير بمقاومتهم للتخلص من الاستبداد الذي يمارسوه، ويظلون اسيادًا يعيشون على النهب والسلب والعبث بكل مقدرات البلد وعلى عوائد ثروات الدولة وأنشطة المواطنين”. بحسب قحطان.

ويرى قحطان أن تنظيم الحوثي والنظام الإمامي البائد كانا يعملان بمفهوم قاعدة فارسية شائعة (جوع كلبك يتبعك)، موضحًا: “ما يعني أن افقار الناس وتجويعهم هو ما يحافظ على بقائهم في الحكم كأسياد وجموع المواطنين مواشي مسخرة لخدمتهم”.

ويضيف: “هذا الاعتقاد المجسد بسلوك أفراد الأسرة الأمامية المالكة للحكم قبل الثورة ظل مكبوتا في وجدان السلالة الأمامية حتى عودتها بانقلاب 21 سبتمبر 2014م والاستيلاء على العاصمة صنعاء ثم التمدد لبقية المحافظات اليمنية”.

ويؤكد قحطان أن الحوثيين قاموا “بإتباع نفس النهج الأمامي في حكم المحافظات التي تمكنوا من السيطرة عليها، حيث يتم تدمير المقومات الاقتصادية ونهب الثروات العامة والخاصة في محاولة لإعادة وضع اليمن إلى ما كانت عليه قبل الثورة بنظام ملكي كهنوتي أسري استبدادي تسود فيه الأسرة الأمامية من جديد ويعود مواطني اليمن كاتباع فقط”.

خطر داهم

ويتفق معه في هذا الخصوص الصحفي الاقتصادي وفيق صالح الذي يقول: “على مدى الأزمنة الغابرة التي حكمت فيها الإمامة مناطق متفرقة من بلادنا، انتهجت سياسة التجويع والإفقار والتجهيل، من أجل تطويع إرادة الشعب اليمني والبقاء فترات أطول في الحكم والسلطة”.

ويضيف صالح: “تدرك الإمامة أنه لا يوجد مشروع حياة وتنمية واستقرار في الحكم، لذلك تلجأ لسياسات تركيع الشعب عبر التجويع والإفقار، على الرغم من وجود الموارد والامكانيات آلتي يمكن أن تلبي الاحتياجات الأساسية للعيش”.

ويؤكد وفيق: “لذلك فإن الإمامة تشكل خطراً داهما على حياة الشعوب وعلى مستقبل الأجيال، لا حرية ولا كرامة ولا تحرر للإنسان في ظل حكم الإمامة الكهنوتي المتخلف، وهذا ما أدركته ثورة السادس والعشرون من سبتمبر التي قضت على الحكم الإمامي المتخلف واعادت للشعب اليمني الحق في الحياة والتحرر من كافة مخلفات الحكم الإمامي البائد”.

استراتيجية الامامة

ويؤكد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح: “ما يمارسه الآن تنظيم الحوثي الإرهابي من نهب منظم للرواتب والموارد وحرمان الموظفين من الحصول على حقوقهم ورواتبهم يأتي ضمن استراتيجية الإمامة التي تقوم على أساس الاصطفاء والتمييز بين الناس ومصادرة حقوق الشعب في العيش بحرية واستقرار وازدهار”.

مضيفًا: “بل إن ما تمارسه مليشيا الحوثي الآن بحق السكان في مناطق سيطرتها يعد هو الأسوأ من نماذج الحكم الإمامي فهي تتخذ سياسات وممارسات تؤدي إلى اتساع الفجوة والطبقية بين أبناء الشعب اليمني، حيث أنها تسخر موارد وايرادات البلاد الكبيرة لصالح فئة سلالية تستأثر بالمال والنفوذ والمزايا وبقية أبناء الشعب لهم الجوع والموت والفقر”.

ويختتم صالح حديثه لـ”26سبتمبر” بالقول: “تسيطر جماعة تنظيم الحوثي على موارد ضخمة وتضاعفت هذه الموارد مع فتح ميناء الحديدة بشكل كلي أمام حركة الحاويات، ورغم ذلك ما تزال هذه الجماعة ترفض دفع رواتب الموظفين وتسخر إيرادات الشعب لصالح قياداتها التي نمت وتراكمت ثرواتها خلال فترة الحرب، مقابل تدهور الأوضاع الإنسانية لبقية السكان”.

وهنا مؤشر على أن لدى جماعة الحوثي توجه للعودة بالاقتصاد اليمني إلى ما كان عليه الحال في عهد الإمامة التي كانت تحتكر كل شيء، والاقتصاد في حكمها هو شوالة مكتب الجبلي الوكيل التجاري للإمام الذي كان له مكتب في عدن، يستقبل ما تأتيه من شوالة الفرانصي التي ينهبها الإمام من الشعب ويرسلها بشوالة وأكياس إلى عند الجبلي في عدن يبادلها بعملة أجنبية تودع في حساب الإمام لدى البنوك البريطانية.

إعادة زمن الإمامة

وفي هذا الاتجاه يرى الخبير الاقتصادي مصطفى نصر أن تنظيم الحوثي تحاول إعادة اليمن إلى زمن الإمامة موضحًا: “حاليًا هناك- ما تقول هذه الجماعة أنها- تشريعات كثيرة أُنتجت من قبل مليشيا الحوثي مؤخرا تعيد الاقتصاد الوطني إلى حالة الانكفاء، بل حالة الانغلاق التام وتذكرنا بفترة قبل الثورة اليمنية وإن كان بصورة مختلفة”.

ويؤكد نصر: “فمثلا قانون البنوك وتشريعات كلها تنطلق من منهجية تعتمد الجباية وتريد أن تبقى الناس فعلا اجراء لدى المليشيا الحوثية وهذا في الحقيقة يتعارض بشكل كلي مع قيم الاقتصاد الحر ومع قيم النشاط الاقتصادي المفتوح الذي به تبنى الدول وبه تستمر وتكون هناك تنمية اقتصادية حقيقة في البلدان”.

مواضيع متعلقة

اترك رداً