الأخبار الرئيسيةتقارير

المرأة اليمنية في ثورة 26 سبتمبر من ردح المعاناة إلى إنصاف الجمهورية وعدالتها

 

سبتمبر نت/ تقرير – عارف الواقدي

 

قبل ثورة 26 سبتمبر المجيدة في العام 1962م، كانت المرأة اليمنية تعاني من العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكانت تعاني من الفقر والجهل والتهميش، وكان لديها حقوق محدودة في المجتمع.

كانت المرأة اليمنية خلال فترة الحكم الإمامي الذي استمر اليمنيون يعيشون تحت وطأته لأكثر من قرن، تعاني من التمييز في الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وكانت تواجه صعوبات في الحصول على فرص العمل.

وفي ظل الحكم الإمامي المستبد كانت المرأة اليمنية، وهي الأكثر تحملاً لمساوئ فترة الإمامة، الأكثر توقاً وشوقاً لإشراقة الجمهورية وتحقيق أهدافها وتطبيق مبادئها، لينعكس ذلك كله على تفاصيل حياتها، فهي التي قبعت خلف الجدران محرومةً من التعليم والصحة والحق في المشاركة في الحياة العامة.

ومع ذلك، شاركت المرأة اليمنية بشكل فعال في ثورة “26 سبتمبر” المجيدة ضد الحكم الإمامي الكهنوتي في اليمن، وقد كان لدى المرأة اليمنية دور مهم في حماية الثورة وقيام الجمهورية.

شاركت المرأة اليمنية إلى جانب أخيها الرجل في عديد من المظاهرات واحتجاجات سلمية، وساهمت في نشر الوعي بأهداف الثورة وقد كان لدى المرأة دور مهم في توفير الدعم المادي واللوجستي للثورة وساهمت بشكل كبير في تنظيم حركات التحرير.

وبفضل جهود المرأة اليمنية، تحققت أهداف ثورة 26 سبتمبر، حيث ومعها قامت جمهورية اليمن بإنشاء نظام  ديمقراطي يضمن حقوق المواطنين، وبغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو دينهم.

ومثلت المرأة اليمنية أيقونة نضالية إلى جانب شقيقها الرجل، في النضال ضد أعداء الجمهورية، والمستعمر الأجنبي في ثورتي 26 سبتمبر المجيدة و14 أكتوبر اللتين أطاحتا بعدوين لدودين للوطن شمالاً وجنوباً.

وقد شهدت اليمن، خلال الثورتين المجيدتين أدوارا بطولية للمرأة اليمنية، والتي كانت تعتبر الوجه الآخر من الثورة والثوار في الريف والمدينة لمرحلة النضال وحرب التحرير، وكان لها مواقف إيجابية ومشرفة في نصرة ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر.

في ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة لم تكن بنت اليمن، بأفضل حال من شقيقها الرجل الذي عانى من الثالوث الامامي الفقر، والجوع، والمرض لمئات السنين، حتى جاءت الثورة لتفتح لها نوافذ للحرية ولو بحدها الأدنى، في وقت كانت فيه المرأة اليمنية في الجنوب، تخوض نضالها ضد المستعمر المستبد، فشاركت في ثورة الـ14 من أكتوبر بكل قدراتها حتى تحققت الأحلام، والنضال بخروج آخر جندي بريطاني محتل في 30 من نوفمبر 1967م.

دور بارز

وخلال الثورتين برزت المرأة اليمنية بكل قوة وعنفوان تناضل، وتؤازر شقيقها الرجل لتحظى بالتخلص من كل أشكال الجهل والاستعباد والاستبداد، والخلاص من كل ما من شأنه أن يهضم حقوقها ليبزغ فجرها المشرق في الانطلاق نحو الحياة التي تحفظ لها حقوقها.

وبتلك الأدوار البارزة للمرأة اليمنية، في النضال الفاعل التواق للحرية، فقد خلدت المرأة اليمنية لنفسها، صورة مشرقة، ومشرفة بنصرتها الثورة، والثوار برغم محاولات الاستعمار البريطاني وأعوانه تجميدها ومحاولة الإمامة إبقاءها في جهلها المطبق، والمظلم بحيث لا تعي شيئاً مما حولها.

محاولات الأعداء تلك ضد المرأة اليمنية لم يمثل لها أي إحباط، فقد كان شعورها الوطني أقوى من المحاولات المستمرة للاستعمار البريطاني والإمام المتخلف إذ لبّت المرأة اليمنية، نداء الواجب الوطني لتؤدي دورها البارز الفاعل برغم أنف الاستعمار والإمامة وأعوانهم مما جعل التأريخ، والثورة، والجماهير، تحفظ لها دورها وإسهامها الفاعل والمشرف مع مناضلي الثورة.

وبالرغم مما كانت تواجه المرأة اليمنية محاربة في كل الجوانب لإخمادها إلا انها استطاعت أن تبرز نفسها رغم ضعفها، وجهلها، حيث أدت واجبها المنوط بها نحو الثورة بكل نجاح، وذكاء فأكدت للجميع أهمية وضرورة مشاركتها في النضال، والنضال المسلح، كشرط أساسي لنجاح الثورة، فنضال المرأة اليمنية تعتبر اليوم: “علامة مضيئة في سجل تأريخ الشعب اليمني المناضل” شمالاً وجنوبًا.

مناضلات ضد الإمامة

كانت المرأة اليمنية الوجه الآخر من الثورة والثوار في مرحلة النضال، فهناك وفي الجانب الآخر لثورة 26 سبتمبر حملت لنا ذاكرة الثورة مشاهد خالدة لنضالات المرأة اليمنية التي ناضلت وساهمت بفعالية في تحقيق هذا الهدف المنشود حينها لكل اليمنيين رجالا ونساء.

“تحفة” الثائرة الخالدة

ومع الحديث عن المرأة اليمنية ونضالاتها ضد الإمامة الكهنوتية في ثورة 26 سبتمبر المجيدة، لطالما يتذكر اليمنيون، “تحفة سعيد سلطان الشرعبي” تلك الثائرة والمناضلة خالدة الذكر في ريف شمال تعز، والتي ثارت ضد ظلم الإمامة قبل ميلاد فجر الثورة بعشر سنوات.

رفضت “تحفة” الظلم وقاومت عكفة الإمامة، وأوقدت شعلة الحرية في عز سطوة الرعب والجهل والكهنوت، ألبت المقهورين في شرعب ليستعيدوا أراضيهم المنهوبة من قبل عمال الإمامة، ووسعت ثورة الرفض للظلم والاستبداد، فقادت أول مسيرة سلمية راجلة من شرعب إلى قصر العرضي في مدينة تعز (مسافة 40 كيلومترا) لإيصال رسالة إلى الإمام أحمد عن ظلم عماله لأبناء المنطقة، حينها وعدها الإمام بوقف التعسف والظلم، لكنه لم ينفذ وعوده.

وبعد أشهر معدودة وتأكيداً على رفضها للظلم، طردت عامل الإمامة من شرعب، فهددها الإمام برسالته الشهيرة قائلا: “من الإمام أحمد إلى تحفة حُبل: يا شرعبية خلي الأذية، صوت المدافع في الجحملية”.

ولكنها لم تذعن، وعملت مع أبناء المنطقة على تأمين أنفسهم وتوحيد صفوفهم وزراعة أرضهم.

وبفضل شجاعة “تحفة” فقد حرص أبناء المنطقة على رفض الظلم، حيث خرجت شرعب عن سيطرة عكف الإمامة المتوكلية، قبل خمس سنوات من اندلاع الثورة، وإعلان قيام الجمهورية.

“كرامة”

المشهد الثاني للنساء اليمنيات المناضلات ضد الحكم الإمامي، هو للمناضلة “كرامة اللقية”، فعند حصار صنعاء أصيب الفريق حسن العمري بالذهول، عندما علم بأن عاملات مصنع الغزل والنسيج الذي تأسس عقب الثورة مباشرة، بدأن بالتدريب على السلاح، كما أذهلته برقية “كرامة” التي قالت فيها: “باسم النساء في صنعاء اللاتي لا يعملن في المصنع، نطالبكم بتسليحنا للدفاع عن وطننا أسوة بالرجال، فنحن نملك حق شرف الدفاع عن وطننا”.

“اللقية”، كانت تعرف جيدا أن بعضا من نساء صنعاء الرجعيات، يجمعن التبرعات للمدعو “أحمد بن الحسين” القابع بجانب العاصمة، فذهبت مع زميلاتها وبناتها تجمع التبرعات للثوار، ما جعل مصنع الغزل والنسيج الذي تعمل فيه أكثر من 400 عاملة، تحت ضربات المدفعية وصواريخ الهاون من قبل الملكيين أثناء الحصار، إلا أن الخوف لم يتطرق إلى قلوبهن فثبتن ولم يتراجعن، وواصلن التدريب والدفاع عن المصنع وجمع التبرعات والتبليغ بالمتآمرين.

“ملكة عبد الإله”.. أنموذجا للمرأة اليمنية المناضلة

من “حافة القاضي”، في مدينة كريتر، بعدن، جنوبي اليمن، بدأت أولى خطواتها في النضال، والنداء، والدعوة للحرية والاستقلال من براثن الاستعمار الأجنبي الذي كان يجثم على شطر الوطن الجنوبي حينذاك، ما جعل منها أيقونة ثورية، تجسد صورة واقعية للمرأة التي تأبى ظلامية الاستبداد وتنشد الحرية في جنوبي الوطن وشماله.

تلك هي ابنة كريتر الشخصية الوطنية الحرة المناضلة الدكتورة/ ملكة عبد الإله أحمد والتي بدأت شخصيتها الثورية في التطوع للدفاع عن الوطن ضد المستعمرين البريطانيين منذُ نعومة أظافرها عندما بدأت تتكون في ذهنيتها حباً كبيراً لشعبها، ولوطنها، ورفضاً عميقاً، لمن يحتل وطنها ويعبث بمقدراته وحرياته.

ويتجلى هذا الضمير الثوري، فيما قامت به من أنشطة ثورية ونضالية في سن مبكر من حياتها، فقد كانت من ضمن المجاميع، التي تقوم بإعداد منشورات التحريض للشعب ضد الاستعمار وتقوم بتوزيعها في جميع حافات (كريتر) بمساعدة شقيقها فاروق عبدالإله أحمد.

ومع تلك التحركات فقد تطورت هذه الظاهرة الوطنية إلى التحضير والإعداد للمظاهرات المنادية لنيل الحرية والاستقلال، حيث وقد كان بيتها في مدينة عدن ملجأ للمناضلين، من مطاردات الجنود البريطانيين ولقد كانت من ضمن المشاركين في النقل للأسلحة لأشقائها المناضلين من منطقة لأخرى.

بتلك الأدوار الملهمة كان لها شرف المساهمة الفاعلة والنشطة وتأدية الواجب الوطني المقدس في النضال ضد الاحتلال، والاستعمار، حتى نال الوطن الاستقلال، والحرية في الـ30 من نوفمبر 1967م.

وتقديراً لمجهوداتها ونشاطاتها الوطنية البارزة وإتقانها للغة الإنجليزية، تم اختيارها من ضمن الوفد المفاوض لنيل الاستقلال، والسيادة، من المستعمر البريطاني في “جنيف” ضمن وفد المفاوضات برئاسة الرئيس الشهيد قحطان محمد الشعبي.

دور مكمل ومساند للرجل

وتبقى المرأة اليمنية هي المكمل والمساند لدور الرجل في السلم والحرب، والمدافعة عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والجمهورية، من سطوة الإمامة القديمة والجديدة ومشروعها الطائفي، الداعي إلى حكم الفرد وتمزيق اليمن أرضا وإنسانا.

المرأة اليمنية في ظل الجمهورية

وفي عام 1974م، إبان سنوات من إنهاء الحكم الإمامي أصدر رئيس جمهورية اليمن، قانونًا يحظر التمييز ضد المرأة في جميع المجالات.

وعليه، اتصفت السبعينيات، بتغيير حقيقي وملموس في المجتمع اليمني، فقد كانت بداية الفترة الذهبية للمرأة اليمنية في الشمال، حيث قد بدأ فيها الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة بشكل كبير والترفيه والخروج عن الطوق الذي أحكم إغلاقه على روحها وأحلامها عقوداً طويلة، فقد التحقت بالمدارس والجامعات، وخرجت إلى السينما، وشاركت في المسرح والفرق الفنية، حتى أن بعض الآباء كانوا يأتون إلى المدرسة، اعتراضاً على عدم اختيار فتياتهم، ضمن الفريق المسرحي للمدرسة.

اتسمت، في ما بعد، فترة الثمانينيات، بالانفتاح وتقبل المرأة شريكة في العمل والجامعة والمواصلات العامة، بمظهرها البسيط الذي اتخذته بتلك الحجابات الصغيرة التي تربط إلى الخلف ذات الألوان الزاهية.

وبدا الالتحاق بالتعليم الجامعي من أهم سمات تلك المرحلة، بالإضافة إلى التحسن النسبي في الخدمات الصحية، وانتشار الوعي جيداً فيما يتعلق بالصحة الإنجابية وانخراط نسوة عديدات في القطاع الصحي، وتألق عدد بسيط منهن في المجال الإعلامي (المسموع والمرئي)، واستمرارها في بعض المهام التي بدأتها منذ النصف الثاني من السبعينيات، كالسكرتارية والأرشفة والتحويلة في مرافق ووزارات عديدة.

ضوء الحرية والحقوق

وتقول الناشطة الحقوقية، سقطرى البقماء: “مع انبلاج فجر ثورة 26 من سبتمبر تنفست المرأة اليمنية الصعداء واستبشرت خيراً بضوء الحرية القادم الذي بدأ في الاتساع، فنالت كل حقوقها في فضاء الجمهورية”.

وبحسب “البقماء” فقد اسهمت ثورة 26 سبتمبر في دعم المرأة التي كانت مسلوبة الحقوق في فترة حكم الأئمة، وبالتالي فإن هذه الثورة تعد ركيزة أساسية ضمنت عبر القوانين التي تم سنها فيما بعد كثيرا من حقوقها.

نضال نسائي لن يتوقف

وتقول الناشطة الحقوقية والإعلامية دعاء أحمد، إن عجز المرأة اليمنية قبل ثورة 26 سبتمبر عن الاحتكاك بالغير أو التأثير في حياتها وحياة أسرتها، والانغلاق الذي فرضه الحكم الإمامي على شعب بأكمله، وليس على المرأة فقط، خلق صورة نمطية عنها في بعض الكتابات والأحاديث والقصص التي تناقلها الرحالة والمسافرون الطارئون على المجتمع في ذلك الوقت، ليحدث التغيير بعد الثورة ويعيش تناقض القديم والحديث، الذي لم يقتصر على متطلبات الحياة فقط، بل امتدت جذوره لتغيير واقع الإنسان والظروف المحيطة به.

وتشير إلى أن الثورة تتعرض الآن لمحاولة إجهاض من قبل حكم مليشيات تكفر بحقوق المرأة اليمنية ولا تصون كرامتها، لكنها (أي المرأة) لم ولن تسمح بإعادة تهميشها مرة أخرى، وتمسكت بأهداف ثورتها وخاضت أهوال الانقلاب بجرائمه ومجازره الوقوف جوار الأحرار من الرجال في مختلف جبهات المقاومة، الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل التخلص من الحكم الكهنوتي، الذي يمارس مختلف أشكال التجهيل والقمع والتهميش للرجل والمرأة على حد سواء، بيد أن وعي اليمنيين كان ولا زال الصخرة التي تحطمت أمامها أحلامهم في العودة باليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962.

وأكدت: “لم تكن ثورة 26 سبتمبر مجرد ثورة ضد شخص الإمام أو نظام حكمه فقط، وإنما ثورة ضد مخلفات فترة زمنية استمرت سنوات كثيرة من تاريخ اليمن، لذا وجدنا المرأة اليمنية تخط أسمى آيات التضحية والفداء والعطاء في كل محطات الوطن التاريخية”.

وأشارت إلى أن المرأة اليمنية هاهي” تصنع مع الرجل مسار ثورة تحررية لدولة مدنية مستقلة حديثة، فتشارك الرجل آماله وطموحاته، وتقاسمه الصعوبات وتتحمل معه المشقة، وتشاطره الحزن والفرح، وتتطلع معه لمستقبل مشرق وترنو لأهداف تتحقق لثورة قامت لتمحو المظالم وتقيم الحقوق وتحسن المعيشة”.

زر الذهاب إلى الأعلى