“كلود فايان” طبيبة فرنسية تنقل للعالم مآسي كهنة الشرق.. هكذا كانت إمامة الأمس وهذه هي إمامة اليوم (الحلقة الثانية)

img

 

سبتمبر نت/ قراءة وتحليـل- منصور أحمـد

 

يبدو أن الباحثة وأستاذة السلالة البشرية، كلودي فايان، قد حالفها الحظ، بأن تجري أبحاثها العلمية والعملية في اليمن، باعتباره البلد الوحيد على ظهر الكرة يوجد فيها كهنوت يحكم شعب بمفاهيم القرون الوسطى، لكنها وجدتها فرصة سانحة، إذ بدا لها هذا البلد محققا تماما لكل ما تهفو إليه- حد قولها- خاصة وهي تبحث عن بعثة عمل في خارج فرنسا،  أن الصدفة أوقعت بين يديها مجلة «علوم ورحلات »المصورة، التي وجدت فيها عرضا واضحا وامينا لظروف البلدان البعيدة أفضل من حضارة أوروبا، فقررت أن تصبح فيما بعد طبيبة، والسفر للعمل طبيبة- حكيمة عند اليمنيين.

 

كتبت كلودي فايان أدق تفاصيل حياة الشعب اليمني.. فقد ذكرت أشكال وملابس اليمنيين، ومأكلهم ومشربهم، وأجسادهم، وقبلها أسرار قصور الامامة، في كتابها (كنت طبيبة في اليمن)، الذي أصدرته منتصف الخمسينيات باللغة الفرنسية وترجمإ لى عدة لغات، ومنها النسخة العربية التي ترجمها وأصدرها رئيس الوزراء الأسبق الأستاذ محسن العيني سنة 1958م- يعد من أهم الكتب الذي أرخ لحقبة مظلمة عاشها الشعب اليمني، ففي الوقت الذي كان العالم يتسابق في الصعود إلى الفضاء، كان كهنوت الامامة يستجر موروثه المجوسي الفارسي، القائم على الخرافة والسحر والشعوذة، كمركب هجين خليط من الديانتين المنحرفتين اليهودية والمجوسية.. نواصل في هذه الحلقة عرض كتاب الطبيبة الفرنسية كلودي فاين لأهميته.

 

رحلتي إلى بلد مغلق الحدود!

بالطبع انقضى عام1950، والطبية لم يصلها عقد العمل من كهنوت الشرق، ودون أن تطيل في الانتظار سافرت في يناير سنة1951م، لعل وعسى أن توقعه في طريق رحلتها في القاهرة، فلم يكن ذلك، فكان خط الرحلة باريس- القاهرة-جدة- اسمرة- عدن. وصدفة يوم مغادرتها باريس متوجهة الى اليمن، نشرت كبرى الصحف الفرنسية المسائية، مقالة جاء فيه: “اكتشافات فرنسي هارب من سجون اليمن، الأجنبي الذي حاول اكتشاف أسرار العصور الاولى في بلاد سبأ يتعرض للموت، عظام رجل طوله متران وثمانون سينتمترا منحوتة من الذهب، أسوار مأرب الشامخة وبرج بابل الذي سمي باب المندب باسمه»!

كل هذا قد كلف المؤلف كما يبدو مائة طعنة خنجر. ويجب الاعتراف ان الانسان إذا سافر إلى بلد كهذا أو عاد منه فإنه يصبح شخصا ما.

وفي طريق رحلتها داهمتها هواجس وتساؤلات كثيرة، وهي كيف سيكون عملها في اليمن، خاصة وأن الفنيين في اليمن كلهم من الايطاليين، رغم ان نفوذ هؤلاء قد تقلص بعد اعتدائهم على اثيوبيا، وحصل ان طبيبة فرنسية هي الدكتورة سيران، استدعيت في سنة 1946م للكشف على احدى الاميرات الامام، الذي رضي بهذا الاتصال الاول، فطلب جراحا من فرنسا، وكان عين الكولونيل الطبيب ريبوليه، وبعد سلسلة من الاعمال الناجحة، السارة جلب بدوره ستة أطباء جدد من فرنسا.

ولكنها تستدرك قائلة: لكن الحالة في اليمن ليست سهلة على غريب، فليس هناك أثر للراحة، بل ولا للحرية والوسائل المهنية ضئيلة والعلاقات مع السلطات المحلية سريعة التأثر وضعيفة إذ تمثل هذه السلطات أحيانا إلى معاملة الاطباء كما كانوا في اوروبا يعاملون الحلاقين في القرن الخامس عشر، وقد مات أحد أعضاء البعثة الطبية الفرنسية، وعاد الأخرون إلى فرنسا ساخطين بعد حوادث مزعجة خطيرة، وبعد سنتين وجد الدكتور ريبولية نفسه وحيدا في بلد، بل شاركه في العمل فيه سوى أربعة أطباء من الايطاليين، وقد طلب أطباء آخرون. حسب اقوال الذين سبقوني كون السفر الى اليمن بحثا عن المتاعب، ولكن واحدة فقط من زميلاتي القديمات هي، الدكتورة لانسوي، كانت تحتفظ لليمن بذكريات طيبة، فهي ترى أن صنعاء مدينة جميلة، وأن اليمن قوم طيبون، وأن الصعوبات يمكن تذليلها لاسيما والمهمة عظيمة وتبرر الاقدام على هذه المخاطر.

 

جزيرة كمران

وقبل ان تحط رحلة الطبيبة كلودي فايان، في مدينة عدن، نزلت بهم الطائرة في جزيرة كمران، في شاطئ الحديدة والتي لا تبعد سوى 13 كم عن المدينة الخاضعة لسيطرة حكم الامام، لكن الجزيرة تحت سيطرة الادارة الاحتلال البريطاني في عدن، غير ان الامام لا يحرك ساكنا ولا ينبس ببنت شفة- وهذا يظهر مدى عراقة العلاقة الوطيدة وتجذرها بين السلالية الامامية الشيعية الايرانية والاستعمار البريطاني- القريب من اليهودية، وبدا ذلك بوضوح في الدعم البريطاني الاسرائيلي المقدم للقوات الملكية المتوكلية الامامية في سنوات حربها ضد ثورة 26 سبتمبر 1962، وسنوات حرب الدفاع عنها وعن الجمهورية، كما يظهر هذا الدعم البريطاني والغربي اليوم لأذناب امامة الامس، تنظيم جماعة الحوثي الارهابي، في الحرب الدائرة اليوم مع هذه الجماعة لنفس الاسباب والعوامل التي اقام احرار اليمن ثورته الخالدة26 سبتمبر عام 1962م.

وعن جزيرة كمران، قالت: “في كمران نزلت بنا الطائرة بعد الظهر في هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة في البحر الاحمر بمحاذاة السواحل اليمنية، وإنها مساحة جرداء قاحلة فيها مطار لتموين الطائرات، وأمام حظائر الطائرات ترتفع مسلة لتحية عشرات الالوف من المسافرين الذين يمرون من هنا كل سنة، متسائلة ترى ما هي: الذكريات التي تعلقت بأذهانهم  عن هذا المكان؟ أما أنا فاني لن أنسى الخوذة الاستعمارية التي كانت موضوعة على المائدة في غرفة الانتظار وهي المرة الاولى التي أرى فيها هذه الخوذة في غرفة المحلات التجارية التي تبيع حاجيات  المكتشفين، كما انني لم أر مثيلا لها فيما بعد، فالموظفون الانجليز في عدن رياضيون ولا يضعون شيئا على رؤوسهم”.

 

شعب محرم عليه الاتصال بالعالم!

وتتابع في نقل انطباعاتها، قائلة: “كان هناك ثلاثة من المسافرين ينتظروننا في كمران، لينتقلوا معنا إلى عدن كانوا مضطربين عصبيين ومهلهلي الثياب.. ويبدو أنهم قد خرجوا من مغامرة مريرة، تعارفنا في الحال، لأنهم عائدون من اليمن- وتعني باليمن تعز حيث يقيم الكهنوت- وكانت فرصة نادرة أتاحت لي أن أسمع أحدث أخبار اليمن قبل وصولي”.

وتضيف: “من النادر الدخول إلى اليمن أو الخروج منه غير طريق عدن، فليس من خط جوي منتظم يمر فوق الاراضي اليمنية، ورغم أن مدن اليمن الرئيسية الثلاث: صنعاء والحديدة وتعز، فيها مطارات صالحة لنزول الطائرات فلا تستعملها إلا طائرات الامام لأنها محرومة من المؤسسات اللاسلكية التي تفرضها اللوائح الدولية، وصاحب الجلالة لا يرى أية فائدة في إعداد هذه الطائرات بلوازمها، أما في البحر فإن الحديدة تستقبل كل شهرين باخرة مصرية تعمل بين موانئ البحر الاحمر وسفينتين يمنيتين هما «صنعاء» و «مأرب» تصلان الحديدة  بعدن، ولكن هذا الاتصال غير منتظم، والطريق المعتادة هي تلك التي تصل عدن بتعز وتقطع في يوم كامل، أما في تعز فإن وسيلة المواصلات اللازمة لمواصلة الرحلة تتوقف على أوامر صاحب الجلالة.

ما ذكرته الطبيبة الفرنسية في كتاب مذكراتها، عن تلك الطائرة الوحيدة الخاصة بالإمام والجاثمة التي كانت حينها جاثمة في مطار تعز ولا تتحرك حتى بالإمام نفسه لأنها ممنوعة من الطيران خارج اليمن لفقدانها الشروط المؤهلة لذلك وعدم التزامها باللوائح المنظمة التي تتطلبها المؤسسة اللاسلكية- هيئة الطيران الدولي حاليا- فهذه القصة استحضرها المشهد المفزع الذي ظهرت به مطارات اليمن، عقب استيلاء تنظيم جماعة الحوثي الارهابي على العاصمة صنعاء التي لا تزال محتلة، وكذا مطاري تعز والحديدة، كيف حولها “هاذولا” الإماميون الجدد الى موطن للأشباح وخولها من اية حركة اقلاع وهبوط للطائرات، عدا من طائرات شحنات اسلحة ومسيرات نظام الملالي الارهابي الايراني.. وصارت كل مطارات اليمن خالية من المسافرين-القادمين والمغادرين- اليمنيين والاجانب إلا من الخبراء العسكريين الايرانيين ومن حزب اللات، المقاتلين الى جانب تنظيم جماعة الحوثي الارهابي.

والاكثر بشاعة واشمئزازا في المشهد، ظهور الثور محمد علي الحوثي، عقب سيطرة جماعته على صنعاء، وهو يستقل طائرة “السعيدة” في مدرج مطار صنعاء، وكأنه يقود جاموسة هندوسية. واختياره لطائرة السعيدة ليس من فراع. وانما الجماعة تدرك ماذا تعني “السعيدة” لليمنيين، والتي كانت تسمى ببلاد العربية السعيدة.. وماذا يعني اسم “السعيدة”، للسلالة المجوسية الفارسية التي تكن الحقد للعرب عامة واليمنيين خاصة الذين رفضوا الخضوع للاحتلال الفارسي منذ ما قبل الاسلام، وخاضوا ضد اتباعهم حروبا وثورات كثيرة، فضلا إلى دورهم المحوري في قيادة جيوش الفتح الاسلامي لبلاد فارس، وتدمير امبراطوريتها.

وأنهم “ذكروا أمثلة من ذلك: فمثلا الطيارون السويديون الذين يقودون طائرات الامام احتلوا طائرتهم، ومكثوا فيها مضربين حتى يتسلموا مرتبهم للشهر الاخير، وأمام نجاح هذا الاضراب حاول موظف يمني تأخر مرتبه كثيرا أن يتوقف عن العمل، لكنه بقي في بيته حبيسا ومعه أسرته اياما عديدة دون أن يهتم به أحد”!

 

وأنا كيف يكون موقفي في بلد كهذا؟ وسأبقى فيه سنة كاملة؟ لم أجد جوابا على تساؤلي إلا نظرات الاشفاق الصامتة، وبكل يقين لابد أن تكون لدي أسباب شخصية تقهرني وتخضعني لكل هذا.

 

إمامة اليوم

ألا تنقلنا اشكاليات الامامة البائد الماضية بالإشكاليات نفسها لأذنابها الامامة الحاضرة الحاقدة، مع رواتب الموظفين.. في عهد إمامة الامس اضرب الطيارون السويديون وحصلوا على مطالبهم المتعلقة برواتبهم. بينما اضراب الموظف اليمني  ولأنه ليس بيده وسيلة ضغط ولا معه طائرة الامام يحبس نفسه داخلها، فحبس نفسه وعائلته في بيته، فلم ينل الراتب حقه، ولذلك مات جوعا وكمدا.

وإذا ما اسقطنا ما ذكرته كلوي فايان، عن اضراب طيارين طائرة الامام الكهنوت وانتزاع الرواتب حقهم على الفور، والامر نفسه نجده عند امامة اليوم، فرواتب الخبراء العسكريين الايرانيين من الحرس الثوري الايراني وحزب اللات والحشد الشعبي، بالإضافة الى مقاتليهم من السلالة اللعينة، فهؤلاء يتحصلون على رواتبهم اولا بأول، ودون اضراب. بينما هي لا تعير اي اهتمام بالموظفين اليمنيين، الذي اوقف تنظيم الحوثي الارهابي رواتبهم ونهبها منذ استيلائه على مؤسسات الجمهورية اليمنية. فأذناب امامة الامس- امامة اليوم- تنهب رواتب قرابة اثنين مليون موظف حكومي منذ اكثر من ثماني سنوات، فالإماميون الجدد- جماعة الحوثي السلالية- اوقفت رواتب موظفي الدولة، وترفض دفعها، رغم ان الاموال التي تنهبها شهريا من الايرادات العامة لمؤسسات الدولة التي استولت عليها في سبتمبر 2014، تفوق اجمالي تلك المرتبات مئات المرات شهريا ايضا.

ولكنها لم تقف عند هذا، وانما ذهبت في الزام الموظفين الموقفة رواتبهم بالذهاب الى ممارسة اعمالهم في تلك الوظائف، فضلا الى الزامهم بدفع اتاوات كمجهود حربي واحياء مولد النبي الذي يدعون إنتسابهم إليه، وهم لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد ، ودفع للاحتفاء بيوم الشهيد الهالك..

فالإضراب هو آخر العلاج بالكي، مع سلالة ألفت على نهب حقوق الموظف وحقوق الشعوب، فالتربويون في مناطق سيطرة تنظيم جماعة الحوثي، اثاروا قلق الجماعة، لأن هناك كيان نقابي تربوي جمعهم ووحدهم في الموقف والرؤية، فإضرابهم لا يتوقف عند حبس انفسهم مع اسرهم في بيوتهم، كما حبس موظف امامة الامس نفسه مع عائلته في بيته. وانما  يتوجب عليهم ان يحثوا الطلاب بكراهية وحقد  هذه الجماعة على الشعب اليمني، وانها تريد ان تمنع عنه التعليم العام من اجل يلتحق الطلاب بمدارسها الطائفية السلالية، وهنا يتوجب على المدرسين منع الطلاب من الذهاب الى جبهات حرب هذه الجماعة التي لا تنتهي او الى تلك الحوزات الطائفية على اساس انها مدارس.

مواضيع متعلقة

اترك رداً