اللواء الركن فرج البحسني يكتب في رثاء اللواء الركن عويضان سالم عويضان: ترجّل فارسٌ هُمام
بقلم اللواء الركن فرج سالمين البحسني – عضو مجلس القيادة الرئاسي
رحل عنا قائد عسكري همام في لحظة كنا في أمسِّ الحاجة إلى إسهاماته في تطوير السلك العسكري ومواجهة أعداء السلام، في وقت تكون البلاد بأمس الحاجة إلى أمثاله لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار.
رحل عنا اللواء الركن عويضان سالم عويضان، الرجل الذي ارتبط اسمه بتثبيت الأمن في حضرموت في السنوات الأخيرة، القائد الذي لا يكل ولا يمل من العمل الدؤوب في سبيل إعداد القوات ورفع جاهزيتها وتدريبها.. رحل عنا الرجل الذي تربطنا به علاقة مهنية، علاقة هي من أنبل العلاقات في خدمة الوطن، ألا وهي العمل في السلك العسكري.. فمنذ السنوات الأولى لتكوين شخصية اللواء الركن عويضان سالم عويضان جمعتني به قواسم مشتركة، وكانت سنة التحاقنا بالسلك العسكري تكاد تكون واحدة..
كان اللواء عويضان من ضمن مجموعة كبيرة من طلبة الثانوية العامة الذين اتخذت القيادة السياسية في الجنوب في مطلع السبعينات قرارًا سياسيًّا لالتحاقهم بالكلية العسكرية في عدن، في وقت كنت أنا قد التحقت بالكلية العسكرية في مدينة أوديسا بأوكرانيا، وجمعنا بالفقيد تخصص مهني واحد ألا وهو سلاح المدفعية.. هكذا كانت البدايات وشاء المولى أن تجمعنا المواقف.
لا أخفي عليكم أن سر نجاحنا جميعا هو تواجدنا جنبًا إلى جنب.. فبعد التخرّج من الكليات العسكرية عملنا في سلاح المدفعية والصواريخ في منتصف السبعينات.. وفي العام 1979م ابتُعثنا للدراسة في الخارج في روسيا مع أكبر دفعة في تخصص المدفعية، والتي وصل عددها إلى تسعة ضباط كان أغلبهم زملاء الفقيد اللواء الركن عويضان سالم عويضان من دفعة الثانوية العامة من خريجي عدن..
أثناء الدراسة كان أبو سالم ضابطًا يحتذى به في الانضباط والمواظبة والتحصيل العلمي، وكان يساعد زملاءه الدارسين في كثير من الأمور.. لقد تميّز اللواء عويضان بحرصه وحبه للعمل الجماعي ومساعدته للآخرين في مختلف جوانب الحياة، وكان مشاركًا فعالًا في الأنشطة الرياضية والثقافية التي كانت تقوم بها البعثة للدارسين في الخارج آنذاك.
بعد انتهاء الدراسة الأكاديمية في عام 1983م عاد الفقيد إلى الوطن وعُيِّنَ قائدا لكتيبة المدفعية، وأبى أبو سالم إلا أن يقودها إلى التميز والتفوق القتالي والرياضي والثقافي والسياسي، وكانت هذه الكتيبة لعدة سنوات تحصل على المراكز الأولى في التدريب القتالي والأنشطة الأخرى.
أتذكر جيدا أن اللواء الركن علي سعيد عبيد قائد سلاح المدفعية والصواريخ آنذاك، قال مرة وهو مارٌّ بموقع الكتيبة التي يقودها الفقيد عويضان – مخاطبا إياه – : يا أبا سالم ما عندك أسرة تكون إلى جانبها في بعض الأوقات، فإني أراك في أغلب الأوقات موجود داخل الكتيبة.
كان الفقيد ضابطًا شجاعًا، ولديه قدرة هائلة على تحمل ضغط العمل العسكري في أصعب وأحلك الظروف.. ففي حرب عام 1994م جمعنا به العمل في جبهة واحدة كانت من أبرز الجبهات وأكثرها تماسكًا ونجاحًا.. كان الفقيد أبو سالم نائب قائد الجبهة لشؤون المدفعية والصواريخ، حيث كان يقود مجموعة من بطاريات المدفعية والصواريخ في الجبهة التي كان لها الفضل الأكبر في منع أية محاولة لاختراق دفاعنا، وباعتراف جميع القادة آنذاك فإن قدرة الفقيد على المناورة بالنيران وسرعة اتخاذ القرار كان لها دورًا كبيرًا في صدِّ كل هجمات العدو.. وإلى آخر لحظة في حرب 94م كان اللواء عويضان وقادة عسكريون آخرون من سلاح الطيران والمدفعية والدبابات والمهندسين إلى جانبي، وعندما اتخذت القيادة السياسية قرارًا بإخلاء عدن تشاورنا مع بعضنا البعض وقررنا الانسحاب إلى جيبوتي مستخدمين أربع طائرات مروحية كانت تعمل في الجبهة.
وفي عام 2016م وفي إطار البحث وانتقاء قادة لمواجهة العمل الإرهابي في حضرموت لتحريرها من فلول الشر والإرهاب وتثبيت الأمن فيها، كان اللواء عويضان ضمن الاختيارات الأولى وعيّن رئيسًا لأركان المنطقة العسكرية الثانية، وتمكّن من قيادة المنصب بكل اقتدار مستفيدًا من خبراته الماضية التي تراكمت مع مرور سنوات خدماته العسكرية، فكانت مسألة الانضباط في السلك العسكري وتنظيم العمل العملياتي وتدريب القوات والقادة تحتل أهم أولوياته.
لا أخفي عليكم أيها القراء وزملاء الفقيد وكل من عرف اللواء الركن عويضان سالم عويضان أن اللغة المشتركة والتفاهم الذي تراكم خلال عشرات السنين من عمل عسكري مشترك جمعني بالفقيد لعشرات السنين كان له الأثر الكبير في تأسيس قوات النخبة الحضرمية، وكان للفقيد بصمات مميزة في هذا الجانب وكان يفهم جيدًا أي توجيهات أو أوامر أو حتى إشارة من قبلنا اثناء قيادتنا للمنطقة العسكرية الثانية، وبكلمات أدق كان ضابط أركان بمستوى الكلمة، فلم يعارض أو يتردد في تنفيذ أي توجيهات أو أوامر تصدر إليه.
لقد كان أبو سالم شجاعًا في الميدان.. فقد عرفت ميادين مدينة المكلا وسهول وجبال وصحاري حضرموت شجاعة هذا الرجل النادرة، وكان في بعض الأحيان يعرض حياته للخطر حينما يريد الحضور شخصيًّا للوقوف على مسرح العمليات..
كان أبو سالم شجاعًا في ميادين القتال، وكان أيضا شجاعًا -آخر أيام حياته- في مواجهة مرضه العضال الذي ألمَّ به، وكان كلما شعر بالنشاط والقوة وجده زملاؤه -فجأة- في موقع من مواقع العمل.. رحل أبو سالم في وقت كنا في أمسِّ الحاجة إليه في هذه المرحلة المهمة.
تغمد الله الفقيد عويضان سالم عويضان برحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
اترك رداً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.