إعلام الملالي في إيران.. انقسام تتجاوزه احتجاجات الشعب الغاضبة
سبتمبر نت
يظهر إعلام الملالي في طهران، عجزاً واضحاً وانقساماً في التعامل مع الاحتجاجات الغاضبة التي تجتاح البلاد، منذ منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي.
حيث تشهد صحف إيران انقساماً فيي تغطيتها للأحداث المستمرة والتي يبدو أنها دخلت مرحلة من التعقيد والتطور جعلت النظام عاجزا عن حسمها أمنياً كما كان يظن الكثيرون.
فاستمرار هذه المظاهرات منذ لحظة الإعلان عن مقتل مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، جعل الصحف أكثر جرأة على طرح موضوع الحوار مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم، حيث باتت تؤكد أن ما تظهره الشعارات والهتافات التي يرددها المحتجون في شوارع إيران أصبحت أكثر من مطالب تقليدية، مثل حل شرطة الأخلاق أو إلغاء الحجاب الإجباري، وهو ما يستلزم الجلوس مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم.
إلى ذلك الصحف الصادرة اليوم، الثلاثاء 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، تظهر التناقض واضحاً، فبينما صحف الإصلاحيين تدعو إلى الحوار، تتصاعد وتيرة خطاب الصحف المقربة من النظام أمثال “كيهان” و”وطن امروز” و”جوان” وحتى “إيران” الحكومية، التي أصبحت لا تتردد في اتهام كل متظاهر بأنه من “مثيري الشغب”، وأحيانا تذهب بعيدا وتصفهم بأنهم “عملاء” للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وأن أعمالهم مخطط لها مسبقا.
بينما جسدت صحيفة “آرمان ملي” هذا التناقض بين التيارين في إيران، وعنونت بالقول: “اتهام المتظاهرين بالشغب لا يتناسب مع دعوات الحوار”.
أما صحف مثل “اعتماد” و”مردم سالاري” فقد دعت إلى ضرورة الاستماع إلى مطالب الناس، ومحاولة خلق مساحة من التفاهم والقواسم المشتركة بين النظام والمتظاهرين، نجد صحف مثل “كيهان” تتهم المتظاهرين بـ”إثارة الشغب” و”الانفصالية” و”الإرهاب”، مدعية أن هذه المثلث ينبع من مصدر واحد ويسعى لتحقيق غاية واحدة.
في شأن آخر علقت صحيفة “إيران” الحكومية حول فضيحة رستم قاسمي، أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني ووزير الإسكان في حكومة رئيسي، بعد انتشار صور له مع صديقته دون حجاب في ماليزيا على مواقع التواصل.
وقالت صحيفة “إيران” إن نشر هذه الصور هو “استهداف للأفراد الثوريين”، ويراد منه خلق صورة سلبية في الرأي العام تجاه هذه الشخصيات “الثورية”، حسب تعبيرها.
في موضوع آخر أشار الناشط الأصولي محمد مهاجري في مقال بصحيفة “اعتماد” إلى الاتفاقية البحرية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، مؤكدا أن قبول حزب الله بهذه الاتفاقية تحت أي ذريعة كان لابد وأن يترتب عليه أنه قبل إسرائيل كأمر واقع وحقيقة مطروحة على طاولة المفاوضات.
وأوصى الكاتب في مقاله أن تقتدي إيران بحزب الله لحل أزمة برنامجها النووي، موضحا أن ذلك يمكن أن يزيل صخرة كبيرة أمام الاقتصاد الإيراني، متسائلا في النهاية: “هل سنكون أكثر من حزب الله نفسه؟”.
إلى ذلك سلطت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية في أحد تقاريرها اليوم الثلاثاء، الضوء على ظاهرة من ظواهر الاحتجاجات الإيرانية الجارية، وهي فقدانها لقيادة معروفة الحال والهوية، معتقدة أن هذه الظاهرة تحولت الآن إلى “أزمة” في ما تشهده إيران من أحداث.
وأضافت الصحيفة أن الاحتجاجات الراهنة تستفيد من هذه الخصوصية، وهي فقدانها لقيادة مما يجعل من الصعب على النظام السيطرة عليها، وكلما سقط أحد المتظاهرين أو ألقي القبض عليه يتحول فجأة إلى رمز من رموز الاحتجاجات، وهو ما يعقد الموجة الحالية من المظاهرات في إيران.
وتابعت الصحيفة أن أفضل طريقة للتعامل مع مثل هذه الاحتجاجات هو أن تعتمد على “الإقناع الجمعي”، و”الإصلاحات الجذرية والمستدامة”، مؤكدة أن اللجوء إلى الأساليب الأمنية وقمع المحتجين لن يؤدي إلى نتائج مطلوبة، إذ إن قمعها في مكان ما يتبعه ظهور آخر للاحتجاجات في مكان آخر.
أما صحيفة “شرق” الإصلاحية فقد نشرت منشورا لنائب الرئيس الإيراني السابق، إسحاق جهانغيري، والذي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع في إيران يوم أمس، حول جهود حكومة روحاني السابقة لتقنين التظاهر والاحتجاج، مؤكدا أن الحكومة السابقة عملت في هذا الإطار، وقدمت لائحة للاعتراف بحق التظاهر، وذلك قبل حدوث الاحتجاجات عام 2019، لكن بعض التيارات والأفراد عرقل هذه المحاولات، وأفشل مساعي تقنين حق التظاهر في إيران.
وأكد جهانغيري أن المادة 59 من الدستور الإيراني تنص على ضرورة أن يخضع كل شيء لاستفتاء الشعب والاستماع إلى رأي الناس، مؤكدا أن ما تمر به إيران الآن وضع “صعب”، وإذا لم تتم رؤية “السلطة” التي يحتاجها الناس والاستماع إلى صوتهم فإنهم سينفذون هذه “السلطة” بالطريقة التي يختارونها هم، وهذا قد يترتب عليه ضرر بالنسبة للجميع.
وفي محاولة للتأثير على موجة الاحتجاجات الحالية في إيران تسعى صحف النظام مثل “جام جم” أن تضخم الانعكاسات السلبية للاحتجاجات على الاقتصاد الإيراني المتأزم أصلا، ففي تقرير لها اليوم حول الموضوع أشارت الصحيفة إلى القطاعات المتضررة من استمرار المظاهرات في إيران معنونة تقريرها بـ”جرح المعيشة جراء الاضطرابات”.
وقالت الصحيفة إن قطاع الملابس على سبيل المثال قد تراجعت مبيعاته في الفترة الأخيرة بنسبة 90 في المائة، فيما تراجعت نسبة مبيعات الخبز 25 في المائة، والأثاث المنزلي 20 المائة، وقطاع الذهب والمجوهرات 15 في المائة، والهواتف 15 في المائة، موضحة أن هذه الخسائر في القطاع الاقتصادي قادت إلى حرمان نسبة كبيرة من الأفراد لوظائفهم وأعمالهم.
وفي المقابل انتقد الخبير الاقتصادي، بهمن آرمان إصرار التيار الحاكم في إيران على المضي قدما برؤيته والسياسات الخاطئة التي سلكها في السابق، والتي ثبت عدم فاعليتها أكثر من مرة، مشددا على ضرورة قبول هذه الفكرة التي تنص على أن هواجس الجيل الجديد في إيران باتت مختلفة عن هواجس وحاجات الإيرانيين في العقود الماضية.
وأضاف الكاتب أن المشاكل الاقتصادية والسياسات الخاطئة هي السبب في اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في إيران، ومع ذلك فإن البعض يحاول أن يتجاهل هذه الحقائق التي باتت معروفة، ويفسرون الأحداث بالطريقة التي يرغبون فيها دون اكتراث بالحقائق الواضحة.
اترك رداً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.