عمر الريدي.. الضابط في التوجيه المعنوي وأحد أبطال الجمهورية الذي أشعل حماسة الأبطال حياً وميتاً
سبتمبر نت/ عمار زعبل
في يوليو من العام الماضي (2020م) نعت دائرة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، الضابط “عمر الريدي” الذي استشهد مقبلاً غير مدبر، وهو يواجه مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، ولم يكتف بذلك، بل ترك كلمات ستظل شهادة على نوعية البطل الذي ارتحل، إنه شهيد من طراز خاص.
كان قد أصيب النقيب “عمر محمد صالح الريدي” في الثاني والعشرين من يونيو في نجد العتق بجبهة نهم، شرق محافظة صنعاء، إلى الشرق من مسقط رأسه، مديرية بني مطر، التي ولد فيها وترعرع، وقدم خلاصة تعليمه معلماً للأجيال، وحين بدأ سرطان الحوثي، محاولته السيطرة على الجسد اليمني، كان الريدي من أول المقاومين لهذا المرض الخبيث.
انتقل النقيب عمر الريدي، الشاب الذي في سحنات وجهه عزيمة لا تقهر وفي نبرات صوته شجاع لا يهزم، انتقل إلى مدينة مأرب، منضماً إلى الجيش الوطني، في دائرة التوجيه المعنوي، ليغدو من أفضل منتسبيها.. ذلك ما أكده زملاؤه وقيادته، التي عرفت فيه الإقدام، فكان من رجال المهام الصعبة.. لم يتخلف عمر عن أية مهمة أمر بتنفيذها، كان خير الجندي وخير القائد معاً.
في مأرب بدأ إذاً “عمر الريدي” مسيرة جديدة من النضال، ومنافحة العدو الحوثي، في ميادين الشرف والبطولة، لم يشأ أن يترك أثره فقط في أفئدة من عرفه، إنما في أفئدة اليمنيين، من عرفوا قصته، قصة شاب ترك كل شيء، ليقبل على ساحات الوغى منافحاً عن مبادئه وأهدافه، التي كان يلقيها على طلابه أو مواطنيه، ليطبقها درساً عملياً للأجيال، بأن مقاومي مليشيا الحوثي ومشروعها الخبيث كانوا من معدن عمر تماماً، يقتربون منه أو يزيدون عليه قليلا.
أصبح أيقونةً ومثالاً يحتذى به من كثير من المقاومين للمشروع الحوثي، وكيف أن المبادئ والأهداف التي يقاتل من أجلها اليمنيون غالية تستحق التضحية وتقديم الأرواح والمهج من أجلها، تستحق أن يترك المرء بيته وأسرته وهو ما فعله تماماً عمر الريدي، الذي كان في قرارة نفسه أن مقدمه إلى مأرب ليس للسكنى فقط، إنما للنصر أو الانتقال إلى حياة أخرى، حيث السعادة الأبدية، ومنازل الصديقين والشهداء وحسن ذلك رفيقا.
إلى اليوم مازال الآلاف يتذكرون الوصية الأخيرة للنقيب عمر الريدي، فوصيته ستظل شاهداً على أن المقاوم الحقيقي لا ينسى هدفه حتى في اللحظات الأخيرة، حيث سكرات الموت لم ينس وطنه، وواجب الدفاع عنه.
خاض معركته حتى النهاية، كيف لا وهو “الرجل” الذي زجت به مليشيا الحوثي، في سجونها، فأراد ألا يمر غيره بما مرّ به في سجون المليشيا المتمردة، ممن ساموه العذاب سنتين كاملتين، رأى قبحها وحقدها على اليمنيين، والذي انعكس في أقبية اختطفت وغيبت فيها آلاف الشباب، من أمثال الريدي.
وعند العودة إلى الأيام الأولى لالتحاقه في صفوف الجيش والمقاومة، نجد أن انضمامه لم يكن ترفاً أو إكمال عدد، كان رقماً صعباً كما تقول أسرته، تحول إلى معركة التحشيد واستقبال المقاتلين من منطقته والمناطق المجاورة، ظل على ذلك حتى أيامه الأخيرة، إنه جيش لوحده هذا ما يقوله كل من عرفه، أو تألم لفراقه بعد استشهاده، لكن ما يعزيهم أنه ذهب إلى ربه شهيداً.
وفي استعراض سيرته يجب المرور على فترة اختطافه من قبل مليشيا الحوثي، التي حاولت تغييبه واتقاء تأثيره حينها، كان ذلك عقب سيطرتها على العاصمة صنعاء وانقلابها على الدولة، ظل “عمر الريدي” في سجونها، إلا أنه لم ينس هدفه، ولم تخفت شعلة الثورة والمقاومة في روحه المتقدة حتى خروجه وتخلصه من قيد السجان.
خرج “الريدي” كالأسد يزأر، في عملية تبادل أسرى، وكما واجهها وهو أعزل، بلسانه وقلمه، واجهها بسلاحه في الميدان مع أبطال الجمهورية، كان عمر الريدي، من رجالات الجمهورية الثانية، شهدت له ساحات الشرف والعزة، على امتداد جبهات القتال على تخوم مأرب وصولاً إلى نهم شرق صنعاء، التي كان من أعلى جبالها يرنو إلى هدفه ويتطلع إلى غده، الذي هو غد اليمنيين، الذي لا بد أن تشرق شمسه، ويعود له بريق وطنه، الذي حاول أن يسلبه الحوثيون.
عرفته الميادين، حتى استشهاده، وكان ضمن فرق التوجيه المعنوي، التي تزور المواقع العسكرية، وجبهات القتال، فحظي “عمر” شرف الاقتراب والرباط في كثير من جبهات القتال، حيث عرفه الكثير من المقاتلين، شد من أزرهم وعمل على تحريضهم للقتال، وتقوية عزائمهم، بنفس صادقة، وتواقة للتحرير وتخليص الشعب مما أصابها من انقلاب مليشيا الحوثي المتمردة.
وفي العودة إلى وصيته الخالدة، والتي وقف أمامها الجميع مشدوهاً، إنه صدق اللحظة، صدق الله فصدقه، ظل عليها وثبت، إنه الإيمان يتحول إلى مشعل دائماً، هكذا أراد عمر الريدي أن تكون خاتمته، صحيح أن أنفاسه الأخيرة كانت في أحد مشافي محافظة حضرموت، إلا أنها وسعت اليمن كلها، والتي قاتل من أجلها ووهب ترابها دمه الطاهر، أسقاها وهو في لحظة تجل خالدة، لا يصل إليها إلا الصادقون.
يصفه من كانوا معه في المعركة لحظة إصابته، في جبهة نجد العتق، بمديرية نهم، شرق محافظة صنعاء، وصل يومها فريق من التوجيه المعنوي إلى الجبهة، وكان منهم، حيث تفرقوا في أرض المعركة، في زيارة الأبطال المقاتلين، على خطوط التماس، مع مليشيا الحوثي المتمردة، أخذ عمر يوجه من تحلقوا حوله، في مكان اختاروه معاً بعناية، بعيداً عن قناصي المليشيا ومترصديها، إلا أن المليشيا أطلقت قذائف الجبناء، “الهاون”، سقطت إحداها بالقرب منهم، فتفرق الجمع، كل مجموعة إلى اتجاه، لتأتي القذيفة الثانية حيث عمر، فكانت إصابته التي قال الأطباء في مأرب: بأنها خطيرة فتم نقله إلى مدينة المكلا.
بقيت ابتسامته وروحه المرحة والمحببة هذا ما قاله أحد المقاتلين ممن شهدوا الجلسة التعبوية والمعنوية الأخيرة للشهيد عمر الريدي، وأضاف “كنا في أحسن مجلس وأكرم جلسة معه وهو يحدثنا ويمتعنا بكلامه، ويمزج حديثه بالنكات والطرائف التي كانت تعطينا حافزاً أكبر للاستماع إليه والاغتراف من علمه لما يعيننا، كانت ابتسامته لا تفارقه”.
اترك رداً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.